سورة البقرة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


الختم على الشيء يمنع ما ليس فيه أن يدخله وما فيه أن يخرج منه، وكذلك حَكَمَ الحقُّ سبحانه بألا يُفارقَ قلوبَ أعدائه ما فيها من الجهالة والضلالة، ولا يدخلها شيء من البصيرة والهداية. على أسماع قلوبهم غطاء الخذلان، سُدَّت تلك المسامع عن إدراك خطاب الحق من حيث الإيمان، فوساوس الشيطان وهواجس النفوس شغلتها عن استماع خواطر الحق. وأمَّا الخواص فخواطر العلوم وجولان تحقيقات المسائل في قلوبهم شغلت قلوبهم عن ورود أسرار الحق عليهم بلا واسطة، وإنما ذلك لخاص الخاص، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان في الأمم مُحَدَّثُون فإن يكن في أمتي فعمر» فهذا المحدَّث مخصوص من الخواص كما أن صاحب العلوم مخصوص من بين العوام. وعلى بصائر الأجانب غشاوة فلا يشهدون لا ببصر العلوم ولا ببصيرة الحقائق، ولهم عذاب عظيم لحسبانهم أنهم على شيء، وغفلتهم عما مُنُوا من المحنة (و...) في الحال والمال، في العاجل فُرقَته، وفي الآجل حُرقته.


ثبتوا على نفاقهم، ودأبوا على أن يلبِّسوا على المسلمين، فهتَكَ الله أستارهم بقوله: {وما هم بمؤمنين} كذا قيل:
من تحلى بغير ما هو فيه *** فضح الامتحان ما يَدَّعِيه
ولما تجردت أقوالهم عن المعاني كان وبال ما حصلوه منها أكثر من النفع الذي توهموه فيها، لأنه تعالى قال: {إِنَّ المُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] ولولا نفاقهم لم يزدد عذابهم.
ويقال لما عَدِموا صدق الأحوال لم ينفعهم صدق الأقوال، فإن الله تعالى قال: {واللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] فكانوا يقولون نشهد إنك لرسول الله، وكذلك من أظهر من نفسه ما لم يتحقق به افتضح عند أرباب التحقيق في الحال، وقيل:
أيها المدعي سليمى هواها *** لستَ منها ولا قلامة ظفر
إنما أنت في هواها كواوٍ *** أُلْصِقت في الهجاء ظلماً بعمرو


عاد وبال خداعهم والعقوبة عليه إلى أنفسهم فصاروا في التحقيق كأنهم خادعوا أنفسهم، فما استهانوا إلا بأقدارهم، وما اسْتَخَفُّوا إلا بأنفسهم، وما ذاق وبالَ فعلهم سواهم، وما قطعوا إلا وتينَهم. ومن كان عالماً بحقائق المعلومات فمن رام خداعه إنما يخدع نفسه.
والإشارة في هذه الآية أن من تناسى لطفه السابق وقال لي وبي ومني وأنا يقع في وهمه وظنه لك وبك ومنك وأنت، وهذا التوهم أصعب العقوبات لأنه يرى سراباً فيظنه شراباً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفَّاه حسابه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8